الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة بقلم الناقد السينمائي الطاهر الشيخاوي: تميّز لطفي عاشور في «كان» وتألق هدى بن يمينة بحصولها على الكاميرا الذهبية

نشر في  15 جوان 2016  (11:36)

 بادئ ذي بدء لا بد من الإشادة بوجود فيلم تونسي قصير في المسابقة الرسمية لمهرجان كان. نذكر أن السينما العربية كانت حاضرة السنة الفارطة في المسابقة الرسمية أيضا من خلال الفيلم اللبناني «موج 98» لايلي داغر الذي تحصل على السعفة الذهبية.
ولكن الأمرَ نادر جدا. فعدد الأفلام المتنافسة لا تتجاوز العشرة وتم اختيارها من بين آلاف جاءت من جميع أنحاء العالم. وشاءت الصدف  (وربما ليست بصدف) أن تتوالى فرص امتياز السينما التونسية منذ «على حلة عيني»  لليلى بوزيد الذي عُرض في مهرجان البندقية وتحصل على العديد من الجوائز وتلاه  «نحبك هادي»  لمحمد بن عطية الذي  حصد في برلين  جائزتين هامتين، وها هو لطفي عاشور يحرز على شرف المساهمة في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة أبرز مهرجان في العالم. فينيس وبرلين وكان هي على الإطلاق أهم المهرجانات العالمية التي يحلم كل مخرج الولوج إليها. الأمر ليس عاديا خاصة إذا سجلنا أن المخرجين المعنيين ينتمون إلى جيل جديد من المخرجين التونسيين.

لطفي عاشور وسير بثبات وتؤدة

لطفي عاشور من صنف المسرحيين الذين يمارسون فنّ السينما أيضا وهم قلّة في تونس، وفي العالم قلة هم من توفقوا في المجالين. ولا بد من الإقرار بأن لطفي عاشور قد تميز منذ انطلاقته مع أنه لم يمرَّ بعدُ إلى مرحلة الفيلم الطويل، فبرز منذ شريطه القصير الأول «العز» 2006، وزاد بروزا بفيلمه الثاني «بو لولاد»2014  الذي تحصل على الجائزة الأولى بأبو ظبي حتى ارتقى إلى أعلى أقسام مهرجان كان هذه السنة. فهو يسير بثبات وتؤدة، وهذه التؤدة من ميزات عمله.
فقيمة  «علوش» تكمن أولا في تواضعه الجمالي حتى بالمقارنة مع الأفلام الأخرى المساهمة في المسابقة الرسمية. فهو بعيد كل البعد عن التعقيد الذي يلتجئ إليه عادة المبتدئؤون لإظهار مهاراتهم ومشروعية ممارستهم الفنية. فمن حيث الإخراج لا يشوب الفيلم أي تجاوز شكلاني. وهو في تقديرنا أمر صعب وممتنع.
ثم غمرت الفيلم روح الفكاهة تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى  «بو لولاد» ولكن بصورة ألطف، وكما هو الشأن أيضا في «بو لولاد» تكمن قيمة العمل في السيناريو وإدارة الممثلين، وهذا ليس بالغريب على المخرج المسرحي. فكان أداء منصف الصايم وهو بدوره مسرحي متمرس ومتميز أداء صائبا مقنعا، هذا طبعا بصرف النظر على البعد الإجتماعي السياسي الذي ما انفك لطفي عاشور يتابعه.
نحن نعلم أن لطفي عاشور يشتغل في تونس ولكنه يعيش بعض الوقت في فرنسا ممّا يعيدنا إلى قضيتنا الاولى وهي تداخل الإعتبارات المتعلقة بالهوية وإن كانت بسيطة في قضية الحال.

ديفين لهدى بن يمينة يحصد الكاميرا الذهبية

ما يجعلنا نتعرض إلى أهم فيلم في رأينا لهذا الصنف من المخرجين وهو  «ديفين»  لهدى بن يمينة وكان عُرض في  قسم «أسبوعي السينمائيين»... هدى بن يمينة فرنسية من أصل مغربي عرفت بشريطها «في طريق الجنة» وهو فيلم قصير نال شهرة كبيرة وقُّدم في العديد من المهرجانات.
تحصل «ديفين» على الكاميرا الذهبية وهي جائزة على غاية من الأهمية كانت في مستوى العمل. هنا أيضا بدا لنا أن المخرجة توفقت في عدم السقوط في تماهي الأجناس السينمائية التي استعارت اساليبَها.
يروي الفيلم قصّة شابتين من الأحياء الشعبية وصراعهما مع تحديات الأوضاع الإجتماعية الصعبة التي تتعرضان لها. فجليُُّ أن العمل ينتمي إلى ما يوصف بسينما الضواحي الذي أصبح مملا ومنغلقا في حلقة مفرغة، إلا أن هدى بن يمينة تجاوزت بكثير كليشيهات هذه النوعية من الأفلام لتذهب بعيدا معتمدة أساسا على الطاقة الفياضة التي تحرك ممثلاتها والناتجة بدون شك عن صدق كبير في التعبير.
كما ابتعدت هدى بن يمينة عن الأطر الضيقة للمسألة الإجتماعية وأخذت الكثير من أفلام الحركة لاعبة بالإحالات. فتذكرنا الشخصية الرئيسية دنيا وصديقتها ميمونة بشخصيتي لوريل وهاردي الهزليتين، ومما يزيد في روح المزاح هو أن الأمر لا يتعلق فقط بفتاتين الأولى دنيا سمراء من أصل مغاربي وميمونا سوداء من أصل إفريقي جنوب الصحراء. ولكن الإحالات ليست هدفا في ذاته أو تلاعبا اعتباطيا بالإحالات بل هي إشارات عابرة ومُعبرة وصادقة لأصداء عديدة من تاريخ السينما. يستقي «ديفين»  قوتَه أساسا من تعاطف المخرجة مع شخصياتها دون تملق ولا متاجرة.
كما رأينا في العمل تقاطعا لطيفا مع أفلام عديدة أخرى شرقية وغربية أمريكية ومغاربية فإلى جانب الإشارات الأمريكية المرتبطة بأفلام الحركة هناك أصداء لمخرجات مغربيات منهنّ فريدة باليزيد خاصة في تناولها لقضية الدين والمجتمع وليلى كيلاني خاصة في «على الحافة» حيث ينتهي الفيلم تماما كما ينتهي فيلم ليلى الكيلاني.
ولكن أهم ما ميّز الفيلم هو الطاقة التي هزته هزا والتي نادرا ما نجدها في السينما الفرنسية;
وما التصفيق الذي لقيه الفيلم بعد عرضه والذي دام طويلا إلا اعتراف مشروع بقيمته.